كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج



تَنْبِيهٌ:
ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْعَزْمِ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْ النِّيَّةِ فِي كَلَامِهِمْ؛ لِأَنَّهَا قَصْدُ الشَّيْءِ مُقْتَرِنًا بِفِعْلِهِ، وَهُوَ غَيْرُ شَرْطٍ هُنَا (وَالْفِعْلُ الْمُكَفِّرُ مَا تَعَمَّدَهُ اسْتِهْزَاءً صَرِيحًا بِالدِّينِ) أَوْ عِنَادًا لَهُ (أَوْ جُحُودًا لَهُ كَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ) أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ بَلْ أَوْ اسْمٌ مُعَظَّمٌ أَوْ مِنْ الْحَدِيثِ قَالَ الرُّويَانِيُّ أَوْ مِنْ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ (بِقَاذُورَةٍ) أَوْ قَذِرٍ طَاهِرٍ كَمُخَاطٍ وَبُصَاقٍ وَمَنِيٍّ؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ كَإِلْقَاءِ أَنَّ الْإِلْقَاءَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَأَنَّ مُمَاسَّةَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِقَذِرٍ كُفْرٌ أَيْضًا وَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ وَلَوْ قِيلَ لَابُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ لَمْ يَبْعُدْ (أَوْ سُجُودٍ لِصَنَمٍ أَوْ شَمْسٍ) أَوْ مَخْلُوقٍ آخَرَ وَسِحْرٍ فِيهِ نَحْوَ عِبَادَةِ كَوْكَبٍ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ لِلَّهِ تَعَالَى شَرِيكًا وَزَعَمَ الْجُوَيْنِيُّ أَنَّ الْفِعْلَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَكُونُ كُفْرًا رَدَّهُ وَلَدُهُ نَعَمْ إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى عَدَمِ دَلَالَةِ الْفِعْلِ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ كَأَنْ كَانَ الْإِلْقَاءُ لِخَشْيَةِ أَخْذِ كَافِرٍ أَوْ السُّجُودُ مِنْ أَسِيرٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِحَضْرَتِهِمْ فَلَا كُفْرَ وَخَرَجَ بِالسُّجُودِ الرُّكُوعُ لِأَنَّ صُورَتَهُ تَقَعُ فِي الْعَادَةِ لِلْمَخْلُوقِ كَثِيرًا بِخِلَافِ السُّجُودِ نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَصَدَ تَعْظِيمَ مَخْلُوقٍ بِالرُّكُوعِ كَمَا يُعَظِّمُ اللَّهَ بِهِ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ فِي الْكُفْرِ حِينَئِذٍ.
الشَّرْحُ:
(قَوْلُهُ: أَوْ عَزَمَ عَلَى الْكُفْرِ غَدًا أَوْ تَرَدَّدَ فِيهِ كَفَرَ) قَالَ الشَّارِحُ فِي الْإِعْلَامِ بِقَوَاطِع الْإِسْلَامِ وَفَارَقَ ذَلِكَ عَزْمَ الْعَدْلِ عَلَى مُقَارَفَةِ كَبِيرَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُفَسَّقُ بِأَنَّ نِيَّةَ الِاسْتِدَامَةِ عَلَى الْإِيمَانِ شَرْطٌ فِيهِ بِخِلَافِ نِيَّةِ الِاسْتِقَامَةِ عَلَى الْعَدَالَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا وَكَأَنَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّ الْإِيمَانَ التَّصْدِيقُ، وَهُوَ مُنْتَفٍ مَعَ الْعَزْمِ وَالْعَدَالَةُ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ مَعَ عَدَمِ غَلَبَةِ الْمَعَاصِي وَالنِّيَّةُ لَا تُنَافِي ذَلِكَ. اهـ. وَلَمَّا عَدَّ فِي الرَّوْضِ مِنْ الْمُكَفِّرَاتِ قَوْلَهُ: أَوْ عَزَمَ عَلَى الْكُفْرِ أَوْ عَلَّقَهُ أَوْ تَرَدَّدَ هَلْ يَكْفُرُ؟ قَالَ فِي شَرْحِهِ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْإِيمَانِ وَاجِبَةٌ فَإِذَا تَرَكَهَا كَفَرَ وَلِهَذَا فَارَقَ عَدَمَ تَفْسِيقِ الْعَدْلِ بِعَزْمِهِ عَلَى فِعْلِ كَبِيرَةٍ أَوْ تَرَدُّدٍ فِيهِ. اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي وَجْهٍ حَكَاهُ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ عِنَادًا لَهُ) قَدْ يَكُونُ الْمُصَنِّفُ أَدْخَلَهُ فِي الِاسْتِهْزَاءِ فَإِنَّ الْعِنَادَ لَا يَخْلُو عَنْ اسْتِهْزَاءٍ.
(قَوْلُهُ: بَلْ أَوْ اسْمٍ مُعْظَمٍ) يَشْمَلُ أَسْمَاءَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ.
(فَائِدَةٌ):
لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيّ مُصَنَّفٌ حَافِلٌ جَلِيلٌ سَمَّاهُ تَنْزِيهَ الْأَنْبِيَاءِ عَنْ تَسْفِيهِ الْأَغْنِيَاءِ يَتَعَيَّنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَاسْتِفَادَةُ مَا فِيهِ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا سَطَّرَ فِي فَتَاوِيهِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا فِيهِ قَوْلُهُ: وَقَعَ أَنَّ رَجُلًا خَاصَمَ رَجُلًا فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا سَبٌّ كَثِيرٌ فَقَذَفَ أَحَدُهُمَا عِرْضَ الْآخَرِ فَنَسَبُهُ الْآخَرُ إلَى رَعْيِ الْمِعْزَى فَقَالَ لَهُ ذَاكَ: تَنْسُبُنِي إلَى رَعْيِ الْمِعْزَى فَقَالَ لَهُ وَالِدُ الْقَائِلِ الْأَنْبِيَاءُ رَعَوْا الْمِعْزَى أَوْ مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا رَعَى الْمِعْزَى وَذَلِكَ بِسُوقِ الْغَزْلِ بِجِوَارِ الْجَامِعِ الطُّولُونِيِّ بِحَضْرَةِ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ الْعَوَامّ فَتَرَافَعُوا إلَى الْحُكَّامِ فَبَلَغَ الْخَبَرُ قَاضِيَ الْقُضَاةِ الْمَالِكِيَّ فَقَالَ لَوْ رُفِعَ إلَيَّ ضَرَبْتُهُ بِالسِّيَاطِ، فَسُئِلْتُ مَاذَا يَلْزَمُ الَّذِي ذَكَرَ الْأَنْبِيَاءَ مُسْتَدِلًّا بِهِمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَأَجَبْتُ بِأَنَّ هَذَا الْمُسْتَدِلَّ يُعَزَّرُ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ؛ لِأَنَّ مَقَامَ الْأَنْبِيَاءِ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُضْرَبَ مَثَلًا لِآحَادِ النَّاسِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ أَيْ بِأَمْثَالِ ذَلِكَ تَارَةً يَكُونُ فِي مَقَامِ التَّدْرِيسِ وَالْإِفْتَاءِ وَالتَّصْنِيفِ وَتَقْرِيرِ الْعِلْمِ بِحَضْرَةِ أَهْلِهِ وَهَذَا لَا إنْكَارَ عَلَيْهِ وَتَارَةً يَكُونُ فِي الْخِصَامِ وَالتَّبَرِّي مِنْ مَعَرَّةٍ أَوْ نَقْصٍ يُنْسَبُ إلَيْهِمَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ وَهَذَا مَحَلُّ الْإِنْكَارِ وَالتَّأْدِيبِ لَاسِيَّمَا إذَا كَانَ بِحَضْرَةِ الْعَوَامّ وَفِي الْأَسْوَاقِ وَفِي التَّفَاوُضِ بِالْقَذْفِ وَالسَّبِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ وَلِكُلِّ مَحَلٍّ حُكْمٌ يُنَاسِبُهُ ثُمَّ ذُكِرَ أَنَّهُ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ حَافِظُ الْعَصْرِ ابْنُ حَجَرٍ عَمَّا يَقَعُ فِي الْمَوَالِدِ مِنْ بَعْضِ الْوُعَّاظِ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ فِي مَجَالِسِهِمْ الْحَفِلَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْخَاصِّ وَالْعَامِّ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَاجَرَيَاتٍ هِيَ مُخِلَّةٌ بِكَمَالِ التَّعْظِيمِ حَتَّى يَظْهَرَ مِنْ السَّامِعِينَ لَهَا حُزْنٌ وَرِقَّةٌ يَبْقَى فِي حَيِّزِ مَنْ يُرْحَمُ لَا مَنْ يُعَظَّمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ الْمَرَاضِعَ حَضَرْنَ وَلَمْ يَأْخُذْنَهُ لِعَدَمِ مَالِهِ إلَّا حَلِيمَةُ رَغِبَتْ فِي رَضَاعِهِ شَفَقَةً عَلَيْهِ وَيَقُولُونَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْعَى غَنَمًا وَيُنْشِدُونَ بِأَغْنَامِهِ سَارَ الْحَبِيبُ إلَى الْمَرْعَى فَيَا حَبَّذَا رَاعٍ فُؤَادِي لَهُ يَرْعَى وَفِيهِ فَمَا أَحْسَنَ الْأَغْنَامَ وَهْوَ يَسُوقُهَا فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ يَكُونُ فَطِنًا أَنْ يَحْذِفَ مِنْ الْخَبَرِ مَا يُوهِمُ فِي الْمُخْبَرِ عَنْهُ نَقْصًا وَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ بَلْ يَجِبُ هَذَا جَوَابُهُ بِحُرُوفِهِ. اهـ. وَأَطَالَ فِي هَذَا الْمُؤَلِّفُ بِفَوَائِدَ نَفِيسَةٍ وَاحْتِجَاجَاتٍ نَقْلِيَّةٍ وَمَعْنَوِيَّةٍ يَتَعَيَّنُ اسْتِفَادَتُهَا.
(قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ) هَلْ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ آلَتَهُ؟.
(قَوْلُهُ: أَوْ قَذِرٍ طَاهِرٍ كَمُخَاطِ وَبُصَاقٍ إلَخْ) اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي مَسْحِ الْقُرْآنِ مِنْ لَوْحِ الْمُتَعَلِّمِ بِالْبُصَاقِ فَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِحُرْمَتِهِ مُطْلَقًا وَبَعْضُهُمْ بِحِلِّهِ مُطْلَقًا وَبَعْضُهُمْ بِحُرْمَتِهِ إنْ بَصَقَ عَلَى الْقُرْآنِ ثُمَّ مَسَحَهُ وَبِحِلِّهِ إنْ بَصَقَ عَلَى نَحْوِ خِرْقَةٍ ثُمَّ مَسَحَ بِهَا.
(قَوْلُهُ: مَثَلًا) إلَى قَوْلِهِ وَكَذَا مَنْ أَنْكَرَ فِي الْمُغْنِي وَإِلَى التَّنْبِيهِ فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُ الْمَتْنِ كَفَرَ) جَوَابٌ لِجَمِيعِ مَا مَرَّ مِنْ الْمَسَائِلِ. اهـ. مُغْنِي.
(قَوْلُهُ: لِمُنَافَاتِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُغْنِي لِطَرَيَانِ شَكٍّ يُنَاقِضُ جَزْمَ النِّيَّةِ بِالْإِسْلَامِ فَإِنْ لَمْ يُنَاقِضْ جَزْمَ النِّيَّةِ بِهِ كَاَلَّذِي يَجْرِي فِي الْمُفَكِّرَةِ فَهُوَ مِمَّا يُبْتَلَى بِهِ الْمُوَسْوِسُ وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا مَنْ أَنْكَرَ صُحْبَةَ أَبِي بَكْرٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّ إنْكَارَ صُحْبَةِ غَيْرِهِ كَبَقِيَّةِ الْخُلَفَاءِ لَا يَكْفُرُ بِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ صُحْبَتَهُمْ لَمْ تَثْبُتْ بِالنَّصِّ. اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي وَجْهٍ إلَخْ) أَيْ ضَعِيفٍ ع ش وَسَمِّ عِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَلَا يَكْفُرُ بِسَبِّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ إلَّا فِي وَجْهٍ حَكَاهُ الْقَاضِي. اهـ.
(قَوْلُهُ: الشَّيْخَيْنِ) أَيْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: أَوْ عِنَادًا) إلَى التَّنْبِيهِ فِي النِّهَايَةِ إلَّا قَوْلَهُ وَسِحْرٍ إلَى؛ لِأَنَّهُ وَقَوْلَهُ وَزَعَمَ الْجُوَيْنِيُّ إلَى نَعَمْ.
(قَوْلُهُ: أَوْ عِنَادًا لَهُ) قَدْ يَكُونُ الْمُصَنِّفُ أَدْخَلَهُ فِي الِاسْتِهْزَاءِ فَإِنَّ الْعِنَادَ لَا يَخْلُو عَنْ اسْتِهْزَاءٍ. اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: أَوْ اسْمٌ مُعَظَّمٌ) يَشْمَلُ أَسْمَاءَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ.
(فَائِدَةٌ):
لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيّ مُصَنَّفٌ حَافِلٌ جَلِيلٌ سَمَّاهُ تَنْزِيهَ الْأَنْبِيَاءِ عَنْ تَسْفِيهِ الْأَغْبِيَاءِ يَتَعَيَّنُ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ وَاسْتِفَادَةَ مَا فِيهِ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا سَطَّرَ فِي فَتَاوِيهِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا فِيهِ قَوْلُهُ: وَقَعَ أَنَّ رَجُلًا خَاصَمَ رَجُلًا فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا سَبٌّ كَثِيرٌ فَنَسَبَ أَحَدُهُمَا الْآخِرَ إلَى رَعْيِ الْمِعْزَى فَقَالَ لَهُ ذَاكَ تَنْسُبُنِي إلَى رَعْيِ الْمِعْزَى فَقَالَ لَهُ وَالِدُ الْقَائِلِ الْأَنْبِيَاءُ رَعَوْا الْمِعْزَى أَوْ مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا رَعَى الْمِعْزَى وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ الْعَوَامّ فَتَرَافَعُوا إلَى الْحُكَّامِ، فَسُئِلْتُ مَاذَا يَلْزَمُ الَّذِي ذَكَرَ الْأَنْبِيَاءَ مُسْتَدِلًّا بِهِمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَأَجَبْتُ بِأَنَّهُ يُعَزَّرُ التَّعْزِيرُ الْبَلِيغُ؛ لِأَنَّ مَقَامَ الْأَنْبِيَاءِ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُضْرَبَ مَثَلًا لِآحَادِ النَّاسِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ بِأَمْثَالِ ذَلِكَ تَارَةً يَكُونُ فِي مَقَامِ التَّدْرِيسِ وَالْإِفْتَاءِ وَالتَّصْنِيفِ وَتَقْرِيرِ الْعِلْمِ بِحَضْرَةِ أَهْلِهِ وَهَذَا لَا إنْكَارَ عَلَيْهِ وَتَارَةً يَكُونُ فِي الْخِصَامِ وَالتَّبَرِّي مِنْ مَعَرَّةٍ أَوْ نَقْصٍ يُنْسَبُ إلَيْهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ وَهَذَا مَحَلُّ الْإِنْكَارِ وَالتَّأْدِيبِ لَاسِيَّمَا إذَا كَانَ بِحَضْرَةِ الْعَوَامّ وَفِي الْأَسْوَاقِ وَفِي التَّفَاوُضِ فِي السَّبِّ وَالْقَذْفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ وَلِكُلِّ مَحَلٍّ حُكْمٌ يُنَاسِبُهُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ حَافِظُ الْعَصْرِ ابْنُ حَجَرٍ عَمَّا يَقَعُ فِي الْمَوَالِدِ مِنْ بَعْضِ الْوُعَّاظِ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ فِي مَجَالِسِهِمْ الْحَفِلَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْخَاصِّ وَالْعَامِّ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مُخْرِجَاتٍ، هِيَ مُخِلَّةٌ بِكَمَالِ التَّعْظِيمِ حَتَّى يَظْهَرَ مِنْ السَّامِعِينَ لَهَا حُزْنٌ وَرِقَّةٌ فَيَبْقَى فِي حَيِّزِ مَنْ يُرْحَمُ لَا مَنْ يُعَظَّمُ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ الْمَرَاضِعَ حَضَرْنَ وَلَمْ يَأْخُذْنَهُ لِعَدَمِ مَالِهِ إلَّا حَلِيمَةَ رَغِبَتْ فِي رَضَاعِهِ شَفَقَةً وَيَقُولُونَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْعَى غَنَمًا وَيُنْشِدُونَ بِأَغْنَامِهِ سَارَ الْحَبِيبُ إلَى الْمَرْعَى فَيَا حَبَّذَا رَاعٍ فُؤَادِي لَهُ يَرْعَى وَفِيهِ فَمَا أَحْسَنَ الْأَغْنَامَ وَهْوَ يَسُوقُهَا فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ يَكُونُ فَطِنًا أَنْ يَحْذِفَ مِنْ الْخَبَرِ مَا يُوهِمُ فِي الْمُخْبَرِ عَنْهُ نَقْصًا وَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ بَلْ يَجِبُ انْتَهَى وَأَطَالَ فِي هَذَا الْمُؤَلَّفِ بِفَوَائِدَ نَفِيسَةٍ وَاحْتِجَاجَاتٍ نَقْلِيَّةٍ وَمَعْنَوِيَّةٍ يَتَعَيَّنُ اسْتَفَادَتْهَا. اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ الْحَدِيثِ) إلَى الْمَتْنِ فِي الْمُغْنِي (قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ الْحَدِيثِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ فِي إلْقَائِهِ اسْتِخْفَافًا بِمَنْ نُسِبَ إلَيْهِ وَخَرَجَ بِالضَّعِيفِ الْمَوْضُوعُ.
(فَائِدَةٌ):
وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ شَخْصٍ يَكْتُبُ الْقُرْآنَ بِرِجْلِهِ لِكَوْنِهِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَكْتُبَ بِيَدَيْهِ لِمَانِعٍ بِهِمَا وَالْجَوَابُ عَنْهُ كَمَا أَجَابَ بِهِ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ إزْرَاءً؛ لِأَنَّ الْإِزْرَاءَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْحَالَةِ الْكَامِلَةِ وَيَنْتَقِلُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ. اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ) هَلْ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَشْمَلُ آلَتَهُ؟. اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ كَإِلْقَاءِ إلَخْ) أَيْ قَضِيَّةُ إتْيَانِهِ بِالْكَافِ فِي الْإِلْقَاءِ. اهـ. نِهَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَفِي إطْلَاقِهِ إلَخْ) أَيْ إطْلَاقِ الْكُفْرِ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ هُنَا.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قِيلَ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ الْمُغْنِي تَبَعًا لِابْنِ الْمُقْرِي وَقَدْ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ اسْتِهْزَاءً صَرِيحًا إلَخْ.
(قَوْلُهُ: لَابُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ تَدُلُّ إلَخْ) وَعَلَيْهِ فَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ الْبُصَاقِ عَلَى اللَّوْحِ لِإِزَالَةِ مَا فِيهِ لَيْسَ بِكُفْرٍ وَيَنْبَغِي عَدَمُ حُرْمَتِهِ أَيْضًا وَمِثْلُهُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ أَيْضًا مِنْ مَضْغِ مَا عَلَيْهِ قُرْآنٌ أَوْ نَحْوُهُ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ أَوْ لِصِيَانَتِهِ عَنْ النَّجَاسَةِ وَبَقِيَ مَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ، وَهُوَ أَنَّ الْفَقِيهَ مَثَلًا يَضْرِبُ الْأَوْلَادَ الَّذِينَ يَتَعَلَّمُونَ مِنْهُ بِأَلْوَاحِهِمْ هَلْ ذَلِكَ كُفْرٌ أَمْ لَا، وَإِنْ رَمَاهُمْ بِالْأَلْوَاحِ مِنْ بُعْدٍ فِيهِ نَظَرٌ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ الِاسْتِخْفَافَ بِالْقُرْآنِ نَعَمْ يَنْبَغِي حُرْمَتُهُ لِإِشْعَارِهِ بِعَدَمِ التَّعْظِيمِ كَمَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ رَوَّحَ بِالْكُرَّاسَةِ عَلَى وَجْهِهِ. اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَبْعُدْ) مُعْتَمَدٌ. اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: أَوْ مَخْلُوقٍ آخَرَ) إلَى قَوْلِهِ وَخَرَجَ بِالسُّجُودِ فِي الْمُغْنِي.
(قَوْلُهُ: أَوْ مَخْلُوقٍ آخَرَ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرُونَ مِنْ الْجَهَلَةِ الضَّالِّينَ مِنْ السُّجُودِ بَيْنَ يَدَيْ الْمَشَايِخِ حَرَامٌ قَطْعًا بِكُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ كَانَ إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ قَصَدَ السُّجُودَ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ غَفَلَ عَنْهُ وَفِي بَعْضِ صُوَرِهِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ قَالَ الشَّارِحُ فِي الْإِعْلَامِ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا فِي الرَّوْضَةِ هَذَا يُفْهِمُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ كُفْرًا بِأَنْ قَصَدَ بِهِ عِبَادَةَ مَخْلُوقٍ أَوْ التَّقَرُّبَ إلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ حَرَامًا بِأَنْ قَصَدَ بِهِ تَعْظِيمَهُ أَيْ التَّذَلُّلَ لَهُ أَوْ أَطْلَقَ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْوَالِدِ وَالْعُلَمَاءِ انْتَهَى. اهـ. كُرْدِيٌّ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَثْبَتَ لِلَّهِ تَعَالَى إلَخْ):
تَنْبِيهٌ:
يَكْفُرُ مَنْ نَسَبَ الْأُمَّةَ إلَى الضَّلَالَةِ أَوْ الصَّحَابَةَ إلَى الْكُفْرِ أَوْ أَنْكَرَ إعْجَازَ الْقُرْآنِ أَوْ غَيَّرَ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ أَنْكَرَ الدَّلَالَةَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بِأَنْ قَالَ لَيْسَ فِي خَلْقِهِمَا دَلَالَةٌ عَلَيْهِ تَعَالَى أَوْ أَنْكَرَ بَعْثَ الْمَوْتَى مِنْ قُبُورِهِمْ بِأَنْ يَجْمَعَ أَجْزَاءَهُمْ الْأَصْلِيَّةَ وَيُعِيدُ الْأَرْوَاحَ إلَيْهَا أَوْ أَنْكَرَ الْجَنَّةَ أَوْ النَّارَ أَوْ الْحِسَابَ أَوْ الثَّوَابَ أَوْ الْعِقَابَ أَوْ أَقَرَّ بِهَا لَكِنْ قَالَ الْمُرَادُ بِهَا غَيْرُ مَعَانِيهَا أَوْ قَالَ الْأَئِمَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ هَذَا إنْ عَلِمَ مَعْنَى مَا قَالَهُ لَا إنْ جَهِلَ ذَلِكَ لِقُرْبِ إسْلَامِهِ أَوْ بُعْدِهِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَكْفُرُ لِعُذْرِهِ وَلَا إنْ قَالَ مُسْلِمٌ لِمُسْلِمٍ سَلَبَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ أَوْ لِكَافِرٍ لَا رَزَقَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ دُعَاءٍ بِتَشْدِيدِ الْأَمْرِ وَالْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ وَلَا إنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ وَشَرِبَ مَعَهُمْ الْخَمْرَ وَأَكَلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَلَا إنْ قَالَ الطَّالِبُ لِيَمِينِ خَصْمِهِ وَقَدْ أَرَادَ الْخَصْمُ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا أُرِيدُ الْحَلِفَ بِهِ بَلْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ وَلَا إنْ قَالَ رُؤْيَتِي إيَّاكَ كَرُؤْيَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ وَلَا إنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى ضَرْبِ الدُّفِّ أَوْ الْقَصَبِ أَوْ قِيلَ لَهُ تَعْلَمُ الْغَيْبَ فَقَالَ نَعَمْ أَوْ خَرَجَ لِسَفَرٍ فَصَاحَ الْعَقْعَقُ فَرَجَعَ وَلَا إنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ مُتَعَمِّدًا أَوْ بِنَجَسٍ أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يَسْتَحِلَّ ذَلِكَ وَلَا إنْ تَمَنَّى حِلَّ مَا كَانَ حَلَالًا فِي زَمَنٍ قَبْلَ تَحْرِيمِهِ كَأَنْ تَمَنَّى أَنْ لَا يُحَرِّمُ اللَّهُ الْخَمْرَ أَوْ الْمُنَاكَحَةَ بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ أَوْ الظُّلْمَ أَوْ الزِّنَا أَوْ قَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا إنْ شَدَّ الزُّنَّارَ عَلَى وَسَطِهِ أَوْ وَضَعَ قَلَنْسُوَةَ الْمَجُوسِ عَلَى رَأْسِهِ وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِتَخْلِيصِ الْأُسَارَى وَلَا إنْ قَالَ النَّصْرَانِيَّةُ خَيْرٌ مِنْ الْمَجُوسِيَّةِ أَوْ الْمَجُوسِيَّةُ شَرٌّ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ وَلَا إنْ قَالَ لَوْ أَعْطَانِي اللَّهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ مَا دَخَلْتُهَا صَرَّحَ بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ فِي الْأَخِيرَةِ إنَّهُ يَكْفُرُ وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ إنْ قَالَ ذَلِكَ اسْتِخْفَافًا أَوْ اسْتِغْنَاءً كَفَرَ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَا مُغْنِي وَأَسْنَى.